إدارة الإفتاء

حكم نذر ما لا يملكه الإنسان.


حكم نذر ما لا يملكه الإنسان.
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيِّد النبيين  وإمام المرسلين  محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين  وبعد ...

فلقد تباينت وجهات نظر الفقهاء تجاه هذه المسألة وجاءت مذاهبهم على النحو التالي :

أولاً : مذهب الحنفية :  

-  بدائع الصنائع ( 5/90)

وَمِنْهَا- أي من شروط النذر -  أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ بِهِ إذَا كان مَالًا مَمْلُوكَ النَّاذِرِ وَقْتَ النَّذْرِ ، أو كان النَّذْرُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أو إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ حتى لو نَذَرَ بِهَدْيِ ما لَا يَمْلِكُهُ أو بصدقة مالا يَمْلِكُهُ لِلْحَالِ لَا يَصِحُّ ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابن آدَمَ ) إلَّا إذَا أَضَافَ إلَى الْمِلْكِ أو إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قال : كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا استقبل فَهُوَ هَدْيٌ أو قال : فَهُوَ صَدَقَةٌ أو قال :كُلَّمَا اشْتَرَيْته أو أَرِثُهُ فَيَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ رَحِمَهُ الله .وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِقَوْلِهِ عز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ من عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا من فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ من الصَّالِحِينَ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا في قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ التوبة ( 75، 76 ) . دَلَّتْ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ على صِحَّةِ النَّذْرِ الْمُضَافِ لِأَنَّ النَّاذِرَ بِنَذْرِهِ عَاهَدَ الله تَعَالَى الْوَفَاءَ بِنَذْرِهِ وقد لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا عَهِدَ وَالْمُؤَاخَذَةُ على تَرْك الْوَفَاءِ بِهِ وَلَا يَكُونُ ذلك إلَّا في النَّذْرِ الصَّحِيحِ .

- المبسوط (8/139)

وإذا حلف أن يهدي ما لا يملكه لا يلزمه شيء ؛  لقوله عليه الصلاة و السلام( لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابن آدَمَ ) ومراده من هذا اللفظ أن يقول : إن فعلتُ كذا فللّه عليّ أن أهدي هذه الشاة وهي مملوكة لغيره . فأما إذا قال : والله لأهدين هذه الشاة ينعقد يمينه ؛ لأن محل اليمين خبر فيه رجاء الصدق وذلك بكون الفعل ممكنا، ومحل النذر فعلٌ هو قربة ، وإهداء شاة الغير ليس بقربة ، إلا أن يريد اليمين فحينئذ ينعقد ؛ لأن في النذر معنى اليمين .

ثانياً : مذهب المالكية :

- المدونة (2/89 )

فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِهَدْيِ مَالِ غَيْرِهِ : قُلْتُ -سحنون-  : أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ : دَارُ فُلَانٍ هَذِهِ هَدْيٌ أَوْ عَبْدُ فُلَانٍ هَدْيٌ أَوْ يَحْلِفُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مَنْ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَحْنَثُ ؟ قَالَ -ابن القاسم - : قَالَ مَالِكٌ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ .

- منح الجليل (1/703 )

( أَوْ ) نَذَرَ( مَالَ غَيْرِهِ ) كَعَبْدِهِ وَدَارِهِ وَبَعِيرِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) ( إنْ لَمْ يُرِدْ ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ يَنْوِي النَّاذِرُ ( إنْ مَلَكَهُ ) أَيْ النَّاذِرُ الشَّيْءَ الَّذِي نَذَرَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَمَلَكَهُ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ .

ثالثاً : مذهب الشافعية :

- الأم (2/280 )

(قال) – الشافعي رحمه الله - وكذلك نقول : إن مَنْ نذر تبرراً أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياساً على مَنْ نذر ما لا يطيق أن يعمله بحالٍ سقط النذر عنه ؛ لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك ما سواه .أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبى المهلب عم عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) .

- المجموع ( 8/452 )

ويجب بالنذر جميع الطاعات المستحبة لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) وأما المعاصي كالقتل والزنا وصوم يوم العيد وأيام الحيض والتصدق بما لا يملكه فلا يصح نذره ؛ لما روى عمران بن الحصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) ولا يلزمه بنذرها كفارة .

رابعاً : مذهب الحنابلة :

شرح الزركشي (3/351  )

( الثاني ) أن ينذر معصية ، كشرب الخمر ، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق ، وصوم يوم الحيض ، والتصدق بمال الغير ، ونحو ذلك ، فلا يجوز الوفاء به إجماعاً ، ويشهد له حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم - (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) – ثم قال : وللنسائي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ).  ثم فيه روايتان إحداهما : أنه لاغٍ ولا شيء فيه  قال أحمد  فيمن نذر : ليهدِمنَّ دار غيره لبنة لبنة : لا كفارة عليه . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي إسرائيل حين نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم : (مروه فليتكلم ، وليجلس وليستظل ، وليتم صومه) رواه البخاري وغيره . وقال للمرأة التي نذرت أن تنحر ناقته : (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) رواه مسلم وغيره . وظاهر هذا أنه لا نذرٌ صحيح في معصية الله ، أو لا نذرٌ مشروع . وغير المشروع وجوده كعدمه ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك بكفارة ولو وجبت لبينها .  

والرواية الثانية : وهي المذهب المعروف عند الأصحاب أنه منعقد ؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نذر في معصية الله ، وكفارته كفارة يمين ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي .

فالحاصل : وبعد هذا العرض لمذاهب الفقهاء  نستطيع أن نَخْلُصَ في هذه المسألة إلى ما يلي  :

عند الحنفية :  نَذْرُ ما لا يملكه الإنسان لا يصح ولا ينعقد إلا إذا أضافه إلى مِلْكِه أو سببه في المستقبل بأن قال : كل مال أملكه أو أرثه في المستقبل فهو صدقة فيصح وينعقد حينئذٍ ، ويلزمه الوفاء به .

عند المالكية : نَذْرُ ما لا يملكه الإنسان لا يصح ولا ينعقد إلا إذا نوى إِنْ مَلَكَهُ في المستقبل ، فإذا نوى ذلك فحينئذٍ يصح وينعقد ، فإذا ملكه لزمه الوفاء به  .

عند الشافعية : نَذْرُ ما لا يملكه الإنسان لا يصح ولا ينعقد ولا كفَّارة على الناذر  .

عند الحنابلة : لهم روايتان : الأولى : أنه لا يصح ولا ينعقد ولا كفَّارة على الناذر . الثانية : أنه ينعقد وتلزمه كفارة يمين – حيث لا يجوز الوفاء به  -  وهي رواية المذهب .
 
وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - دولة الكويت - إدارة الإفتاء